طريق ثقافي

“المهمة القذرة”كيف خططت الـ CIA لضرب الحزب الشيوعي العراقي؟

كتاب “البعثيون العراقيون والحرب الباردة الأمريكية”

عرض: يان دي موله
ترجمة: الطريق الثقافي

بعد عقود من إطاحة الولايات المتحدة بصدام حسين ونظامه، يُسلّط ويلدون سي. ماثيوز الضوء على جذور الحكم البعثي في ستينيات القرن الماضي. باستخدام مصادر عربية وأخرى من وكالة المخابرات المركزية، يُظهر كيف كثّفت الميليشيات شبه الحكومية (الحرس القومي) الصراع والقمع ضد الشيوعيين العراقيين والتعبئة لتنفيذ مخططات وكالة المخابرات الأمريكية CIA في تصفية الحزب الشيوعي العراقي، ضمن نهجها في الحرب الباردة وتحديد معالم العراق ما بعد الاستعمار.

يتناول كتاب “البعثيون العراقيون في الحرب الباردة الأمريكية.. العمل السري، والعسكرة والعنف،
الاستخبارات والمراقبة والحرب السرية” للباحث الأمريكي ويلدون سي. ماثيوز، وهو بمثابة دراسة عميقة ورصينة مدعمة بالوثائق، طال انتظارها، يتناول تجربة العراق مع الإمبريالية الأمريكية، ومعاداة الاستعمار، والعنف السياسي.
يستكشف الكتاب العلاقات السرية للحكومة الأمريكية ودولتها العميقة وكالة الإستخبارات المركزية، مع حزب البعث العراقي، أثناء تعامله التآمري الوحشي مع الشيوعيين العراقيين. ويكشف تفاصيل جديدة عن علاقة وكالة المخابرات المركزية CIA بحزب البعث، الذي يقدم سردًا كاملاً لبدايات تشكله والأدوار القذرة التي اضطلع بها منذ تأسيسه. كما يُلقي الضوء على النساء العراقيات في تاريخ العمل السري وعنف الحرب الباردة ومخططات الغرب في ضرب القوى الوطنية والتقدمية.
يستند الكتاب إلى مذكرات عراقية لم تُستغل سابقًا ووثائق سريَّة خاصة من أرشيف حزب البعث.
يكشف الكتاب أيضًا عن العلاقة السريَّة بين الولايات المتحدة وحزب البعث العراقي في ستينيات القرن الماضي. يتتبع الكتاب هذه العلاقة من خلال أنشطة الحزب السرية، وكيفية تنميته ودعمه من قبل وكالة المخابرات الأمريكية،مرورًا باستيلائه الأوّل على السلطة في العراق، وصولًا إلى عودته إلى التنظيم السري بعد الإطاحة به بانقلاب عسكري. لقد سلّحت إدارة الرئيس جون كينيدي النظام البعثي، ووفّرت له المحتوى الإعلامي، ودرّبت أفراده وعناصره. كما دعمت شبكة حكومية خاصة تابعة لحزب البعث (يُرجح أن تكون منظمة حنين) برعاية وكالة المخابرات المركزية CIA، ودعم وإنشاء منظمات حزب البعث العمالية والطلابية.
واستنادًا إلى تلك المخططات الخبيثة ـ حسب ماثيوز ـ اعتقل النظام البعثي وعذب وقتل آلاف الشيوعيين العراقيين. كما شنّ حرب إبادة جماعية ضد الأكراد العراقيين.
يستكشف الكتاب، من خلال تسليط الضوء على النساء العراقيات، كيف تخيّل كلٌّ من الأمريكيين والبعثيين مستقبلًا سياسيًا للعراق، وكيف برّروا لجوءهم إلى العنف المسلح ومكافحة حركات التحرر الوطنية والديمقراطية، وعلى رأسها الحزب الشيوعي العراقي.

المحتويات
تضمن الكتاب الذي جاء في 304 صفحات، بالإضافة إلى المقدمة محاور:

  1. العنف وإنهاء الاستعمار”
  2. نشأة حزب البعث العراقي
  3. إعادة بناء حزب البعث العراقي
  4. الانقلاب وعقيدة التمرد
  5. محاولة استئصال الحزب الشيوعي العراقي
  6. البعثيون والشبكة الأمريكية الحكومية الخاصة CIA
  7. العسكرة والسلوكيات العسكرية
  8. خاتمة: حزب بعث جديد
    ومما جاء في مقدمة الكتاب: “العنف وإنهاء الاستعمار” التي استغرقت الصفحات من (1 إلى 21) ما يلي:
    “حوالي العام 1976، سافر الصحفي اللبناني غسان شربل إلى بغداد باحثًا عن استراحة من الحرب الأهلية في بلاده. وهناك التقى بعلي صالح السعدي، الأمين العام السابق لحزب البعث العراقي وعضو مجلس الوزراء في أوّل حكومة بعثية عراقية. وجد شربل السعدي يعيش تحت الإقامة الجبرية ورقابة املخابرات، حزينًا للغاية، ويشرب بشراهة رغم خضوعه لجراحة قلب متوقعة ـ آنذاك ـ. وفي حديثه عن أوّل تجربة للبعثيين في السلطة، قال السعدي لشربل: “… كنا نؤمن بالشعارات، ونقتل الوطن، وربما الأمة. كان سلوكنا صبيانيًا، ولم نكن نعرف معنى السيادة، ولا الدولة، ولا المؤسسات. كنا غارقين في العار والخيانة…”
    وفي محور “نشأة حزب البعث العراقي” (الصفحات من 22 إلى 57) جاء:
    “ظهر حزب البعث في العراق في العقد الذي تلا الحرب العالمية الثانية، كتمظهر خادع لأولى موجات التعبئة السياسية الجماهيرية المتواصلة التي شهدتها البلاد آنذاك. كان العمال وأفراد الطبقة الوسطى المتعلمة المتنامية ينزلون إلى شوارع بغداد ومدن أخرى بشكل متكرر للمطالبة بديمقراطية حقيقية، وعدالة اجتماعية أكبر، واستقلال بلادهم التام. كانت الاحتجاجات جزءًا من موجة ثورية آنذاك نتيجة لتحول الشرق الأوسط من خلال تحدي النخب السياسية المهيمنة وامتيازاتها. في العراق، كان الحزب الشيوعي بلا منازع المنظمة الأكثر فعالية في تسييس المواطنين والتعبير عن مطالبهم. بعد أن سيطر الشيوعيون على كافة النقابات والمنظمات المهنية والطلابية والشبابية سيطرة مطلقة، الأمر الذي جعل البعثيين ينكفئون في أولى خطواتهم، قبل أن يعتنقوا مبدأ العنف.
    وفي محور “إعادة بناء حزب البعث العراقي (الصفحات من 58 إلى 90) جاء:
    بعد محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم الفاشلة في تشرين الثاني/ أكتوبر 1959، تشكلت قيادة جديدة لحزب البعث العراقي سرًا. كان أعضاؤها في العشرينيات والثلاثينيات من عمرهم، ذوي عقول متحجرة، وأشقياء باحثين عن العنف والمخاطرة. كانوا في الغالب مدنيين ـ طلاب جامعيين، وخريجين، ومهنيين شباب، كانت تجاربهم التكوينية احتجاجات الشوارع في الخمسينيات. كان البعثيون يعتزمون إسقاط حكم عبد الكريم قاسم، وإقامة نظام قومي متشدد، وتوحيد العراق مع سوريا ومصر ضمن ما كان يُسمى “الجمهورية العربية المتحدة”؛ معتمدين كافة السبل المتاحة لتحقيق مآربهم، بما في ذلك العنف والاغتيالات والتآمر والانقلابات”.
    وفي محور “عقيدة الانقلاب ومكافحة التمرد (الصفحات 91 إلى 129) جاء:
    “في النصف الأوّل من العام 1962، فشل حزب البعث العراقي في تحقيق طموحه في تنظيم حركة مقاومة جماهيرية ضد حكومة عبد الكريم قاسم. بعد أن أعاقت التنافسات الشخصية والتوجهات الأيديولوجية المتضاربة في المستويين الأعلى والثاني من قيادة الحزب المشروع التنظيمي للبعثيين. وعلى الرغم من أنّهم حافظوا على جهودهم لبناء قاعدة شعبية ما، إلا أنّهم لجأوا إلى التخطيط لانقلاب للاستيلاء على السلطة. ظلت شبكة الحزب بين ضباط الجيش محدودة، وكانت تفتقر بالدرجة الأساس إلى الضباط الذين يقودون وحدات قتالية. لذلك، كانت إحدى السمات البارزة لخطة الانقلاب تشكيل قوة شبه عسكرية تابعة لحزب البعث حديثًا، تضم عناصر متمردة ومنخفضة التعليم جرى تعبئتها بطريقة شوفينية.
    في محور “محاولة استئصال الحزب الشيوعي العراقي (الصفحات 130 إلأى 165) جاء:
    شنّ النظام البعثي الجديد حملات تصفية وتعذيب وترهيب ضد الشيوعيين العراقيين، تركزت في الفترة من شباط/ فبراير إلى أيلول/ سبتمبر 1963. ونادرًا ما كانت عمليات الإعدام والاستجوابات المسيئة للشيوعيين تُعرض علنًا. بل كانت تُنفذ عادةً داخل مراكز الاحتجاز أو في المناطق الريفية النائية، وكثيرًا ما يختفي الضحايا من دون أن يعترف النظام باعتقالهم أو تغييبهم. وفي الوقت نفسه، نفي التقارير المتعلقة بالعنف والتعذيب والاعتقال ووصمها بـ “شائعات خبيثة أو دعاية معادية”.
    في محور “البعثيون والشبكة الأمريكية الحكومية الخاصة CIA (الصفحات 166 إلى 193) جاء:
    “كان الإرهاب المعزول الذي مارسه النظام البعثي على آلاف الشيوعيين المعتقلين جزءًا من استراتيجية سياسية واسعة النطاق. فقد صوّر النظام استيلائه على السلطة كاستجابةً لمطالب الشعب العراقي بالوحدة العربية والحرية والاشتراكية. ونتيجةً لذلك، طالب البعثيون العراقيين بالمشاركة الديمقراطية في جو من الترهيب الشديد، كما لو كانوا يختارون ذلك بمحض إرادتهم. وكان هذا هو الحال بشكل خاص بين الشباب والطلاب، ومنظمات العمال، التي هيمن عليها ونظمها ووضع أسسها الشيوعيون قبل الانقلاب. وكانت عمليات التطهير العنيفة للشيوعيين من تلك المنظمات هي الشرط الأساسي الذي حددته الشبكة الأمريكية الخاصّة.
    في محور “شبه العسكرة السياسة (الصفحات 194 إلى 194)
    لقد عدّ المسؤولون الأمريكيون البعثيين نخبًا مناهضة للشيوعية، من شأنها إخراج العراق من دائرة البلدان الديمقراطية والإشتراكية، وقد صدق البعثيون هذا الدور وراحوا يغلفونه بشعارات الديمقراطية، إلا أن معنى الديمقراطية والطريق إليها كانا محل خلاف مرير داخل حزب البعث العراقي والحركة القومية العربية الأوسع. وكانت مسائل علاقة الاشتراكية بالديمقراطية وعلاقة الدولة بالسياسة الجماهيرية أمر مبهم للبعثيين وللبيئة الفكرية للحرب الباردة.

ويلدون سي. ماثيوز أستاذ مشارك في قسم التاريخ بجامعة أوكلاند الأمريكية. له العديد من المؤلفات المهمة عن قضايا الشرق الأوسط.

Facebook
LinkedIn
X
Facebook

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى