طريق ثقافي

سرديات المنفى.. الآخر وأسئلة الهويَّة

علي حسن الفواز

يظل سؤال الهوية إشكاليا، مفتوحًا وكاشفا عن ما يستبطنه من سيرورات، ومن فواعل توصيف هذه الهوية في تمركزها، أو في تحوّلها، مثلما تخصّ طبيعة نزوعها العصابي، وعنفها الصياني عبر حقول السسيولوجيا والأنثربولوجيا، لأن علاقتها بهذا العنف تتأتّى من خلال تمثيلها لصور الهويات “القاتلة أو المقتولة” ومن رهاب علاقتها المأزومة بالتاريخ، ومن فكرة “تعيينها” في النسق.

إنّ يكون هذا التعيين سجنا لجماعةٍ ما، يمارسون من خلاله تمثلات سلطتهم المتخيلة عبر “وعي زائف” أو “صور ممنوحة لهم قسرا أو سهوا، حيث يؤدي هذا السجن الرمزي بمرور الوقت الى ظهور ميول شوفينية عند جزء واسع منها”(1).
إنّ محنة الهوية في تغولها أو في انحدارها ـ تكشف عن وجود تعالقات معقدة مع السلطة، التي تصنع لهذه الهوية سرديات “ تتجوهر حول السيطرة، وحيازة القوة والثروة، والتي تؤدي فاعلياتها جماعات واثنيات وثقافات محلية من خلال اعادة مركزة وأسطرة قصص الماضي المشترك” (2) الذي تنغرس فيه مثيولوجيات وحكايات متخيلة، تلعب دورا في ترسيخ مفاهيم عصابية عن “الأمة” و”الهوية” و”الجماعة” والطائفة” و”الذاكرة التاريخية” وهذه بطبيعة الحال تقود الى تسويغ الحديث عن اصطناع تمثيل عُصابي لـ “هوية متعالية” وبرموز وايقونات ترتبط بمتخيلها السردي، وبوظائف النخب التي تقود توجهاتها الايديولوجية في التأسيس والصيانة والعنف، وفي العلاقة مع الآخر..
التمثيل السردي المُعقّد والمنغلق للهوية ينطلق من “الثبات” ومن تحول هذا الثبات الى مركز قامع، والى قوة يزداد تضخمها مع حيازة السلطة، ومع الوظائف التي تؤديها عبر صناعة الخطاب الأنوي والمتعالي، والتعبير عنه عن طريق مؤسسات وأحكام وحدود ومنصات وطقوس و”نزق ثوري” ينعكس من خلال ممارسات تؤديها الجماعات التابعة والمريدة والطفيلية، حيث يضخم معها “الوعي الطفيلي” والفعل الاجتماعي الطفيلي، ونزعات الاستملاك التي تسهم في تقويض سلطة الاجتماع الوطني، حيث يكون هذا التقويض مقدمة لتقويض مفاهيم الأمة والدولة مقابل تحول “الهوية” العصابية الى صندوق مغلق أو معسكر مغلق، أو حتى جغرافيا مغلقة تطالب ب”الاستقلال” والتمثيل الجماعوي، حتى لو عبر استخدام العنف..
السؤال المفارق حول الهوية يتحول الى سؤال وجودي عن التمثيل السياسي والاجتماعي والثقافي، وعن تنوع الخطاب الذي يمكن أنْ تمارسه الانتجلنسيا التي تعمل على عقلنة مفهوم الهوية، إذ تكون الوظيفة “الانتلجنسياوية” قائمة على خرق المراكز، وعلى إحداث تصدعات في تداوليو مفهومها، والانوجاد داخل تحققات اجتماعية أو سياسية تقوم على اساس أنسنة المعيش في الواقع أو في الاجتماع، بعيدا عن الذاكرة الاستحواذية للتمركز، ولذاكرة العنف الرمزي والمفاعيل التي تصنعها عبر شبكات علاقات السلطة/ الجماعة/ الطائفة/ القوة، بوصفها شبكات قهرية، تتمحور حول “الذات” المتضخمة، وحول الصورة المتخيلة عن الآخر.
هذه الصور المتناقضة ليست بعيدة عن السرديات المتخيلة، فكثيرا ما تكون هذه السرديات مُحفِزة على تغويل العنف والكراهية بوصفه تمثيلا للمقدس، وصولا الى التكفير، وهو اكدته حنا ارندت بالقول “إن جزءا كبيرا من الدوافع التي تحثّ على تمجيد العنف، إنما ينتج عن الاستلاب الحاد الذي يُطال امكانية الفعل في العالم الحديث” وفي مواجهة تحديات الاختلاف والتنوع، حيث تقود الى إعمال العنف عبر القتل، والتهجير، أو تطويع الآخر داخل ما تُنتجه السلطة من سرديات كبرى.
الهوية ليست شيئا نافرا، لا في السياق، ولا في التمثيل الاجتماعي، فهي ظاهرة طبيعية، لأنها تمثل كينونة الانسان، لكن توحشها وعنفا يكمن في تحولها الى قوة طاردة، أو الى سلطة وايديولوجيا، فبقدر ما تعني حيازة خصائص الذات وبصمتها في الوجود، فإنها تعني في المعنى الفلسفي “حقيقة الشيء، من حيث تميزه ويسمى ايضا وحدة الذات كما ورد في لسان العرب لإبن منظور، وهذا التعريف يجعله تمثيلا للذات المُفكِّرة، وللجماعة التي تملك طاقةً على انتاج تلك السرديات، عبر كثيرٍ من القصص والاوهام والاساطير والحكايات والاسفار والمغازي، أو عبر ما تصنعه من صراعات تتغذى بالعنف والوعي الزائف والايديولوجيا وبالانماط الحاكمة التي تملك أدوات مركزة العقائد وتسويغ سلطة الدولة من خلال سلطة الجماعة، وهو ما عاشه العراق السياسي منذ عام 1921 ولغاية 2003 إذ تحولت سرديات الدولة وسرديات التاريخ والهوية الى اقنعة للجماعة التي تتمركز على أوهام السلطة والطائفة المتخيلة وعلى العُقد المسحوبة من التاريخ..

الهوية.. سرديات المهجر والآخر
هل يمكن لسؤال الهوية في سياقه المفهومي أن يتجاوز الواقع، وأن يطرح منظور خلافيا تكون فيه اشكالية الهوية جزءا من اشكاليات بناء المجتمع وبناء الدولة؟ وهل تعني سرديات المهجر تقويضا لمركزية تلك الهوية؟
هذان السؤالان يضعاننا أمام معطيات تتعلق بعلاقة الهوية بالمكان وبالسلطة السلطة، بوصفها تمثيلا متعاليا للقوة الطاردة، وللقوى التي تمارس تلك السلطة عبر الاستحواذ والرقابة والعقاب، وعبر صياغة شكلٍ مركزي ل”العقد الاجتماعي” وعلى نحوٍ يدخل في صياغة هويات للمكان وللمواطن، وصولا الى ترسيم الحدود، والى التحكم بالحقوق والحريات وقيم العدالة، وفي التعبير عن الذات، إزاء العلاقة مع منظومات اجتماعية وسياسية واقتصادية وحقوقية أخرى، إذ “يشكل غياب العدالة نوعا حادا من التهديد”(3) مثلما أن غياب الحريات والحقوق يمثل قهرا اجتماعيا تمارسه السلطة، ونفيا داخليا يعيشه المواطن..
ليس المنفى الداخلي بعيدا عن محنة الهوية، فقد ظل جزءا عالقا بالشخصية العراقية، إذ تبدت كثير من مظاهره عبر شيوع السري والمقموع والمسكوت عنه، وكذلك عبر ما سماه علي الوردي ب”الازدواج” أو عبر تشبّع اللغة واللهجات بكثير من الرموز الغامضة والاستعارات والمجازات والاقنعة والتوريات، وهي تُخفي كثيرا من الاغترابات العميقة التي” يتخلخل فيها مفهوم الذات والهوية عند الانسان، فيضطرب حس الانتماء لديه، شاعرا بأنه مُبعد، معزول، مهدد، مراقب وخائف” (4)
تبدو صناعة هذا المنفى الداخلي صناعة لغوية، أكثر من كونها تمثيلا مباشرا، إذ يحفل القاموس العراقي بكثيرٍ من المفردات والاحالات التي تكشف عن الاستلاب اللغوي، وعن عصابية التمثيل الوجودي والايديولوجي عبر صيغ ومفردات، وحتى عبر اطوار غنائية، تكشف عن المضمر النسقي لعلاقتها المأزقية مع السلطة ومع الاجتماع، وحتى مع التاريخ الذي تملك السلطة خطابه ومُتحفه، والذي ينطوي على عناصر ضاغطة لها تأثيرها على التوصيف، وعلى تأطير العلاقات العامة، وعلى تداولية مفاهيم الحرية والانتماء والعلاقة مع الآخر، وصولا الى بروزها التمثيلي الزائف والعصابي عبر عديد الممارسات الكبرى، لاسيما في ظروف الحروب والصراعات الاهلية، وفي التعبير عن مظاهر المعارضة والانهاك الاجتماعي والفقر والصراع السياسي والطائفي.
لقد شهد العراق السياسي منذ عام 1977 انواعا من الصراعات العنيفة، التي تسببت في إحداث تشوهات عميقة في البنيات الاجتماعية، وفي التعبير عن الذات والهوية العراقيتين، حيث قامت السلطة بصناعة مهاجر قهرية لـ “الكورد الفيليين” تحت يافطة البحث عن “الهوية الصافية” وبالتالي عملت السلطة على انتهاك الحق الطبيعي للإنسان عبر منعه عن حقوق الانتماء الحرية والمعيش، مثلما عمدت في عام 1980 الى صناعة حرب شاملة مع دولة جارة، وتحت يافطة ادلجة الوعي الزائف للتاريخ، وللعلاقة مع الآخر، والتي راح خلالها ملايين الضحايا من القتلى والجرحى والاسرى، فضلا عن ما احدثته من تصدعات بنيوية عميقة في الاجتماع العراقي.

مهجر الأسر
هذه الصناعات الثقيلة للسلطة المُنتهِكة كانت عاملا فاضحا في صناعة “المنفى الخارجي” أو “مهجر الأسر” الذي تقوضت فيه الهويات والذوات العراقية، فتحوّل هذا المهجر الى شكل تمثيلي ووجودي للعنف المادي والرمزي، وللاغتراب الذي يفقد فيه الانسان قدرته على التوافق مع بيئته الطاردة، والقاسية بعد أخضعتها السلطة الى انواع معقدة من الاستبداد والسلوك العنفي والممارسات التي تستحوذ عليها تلك السلطة المُشبّعة بادلجات التعصب والكراهية، وبكل وسائل المراقبة والضبط والتحكم والقمع والاستغلال.
تحوّل المنفى أو المهجر في وجه من وجوهه إلى ظاهرة اجتماعية ونفسية للتعبير عن الرفض والتمرد، وللتمرد الرمزي على السلطة، مثلما تحوّل الى خيارٍ شهواني مضاد للبحث عن الخلاص وتحرير الهوية من محابسها العصابية، وفكِّ آصرة العلاقة مع سلطة عمدت الى احتكار الشهوة وتشويه الهوية والمكان والجسد، فكان هذا المهجر “تعويضا للعلاقة بالمكان عبر الخروج عنه، حيث يكون ما يتعرّض له من تدمير قرينا بالتشويه وبالاحاسيس الهجينة التي يتعرّض لها بعد الهجرة”(5)
كما أن صناعة المنفى او المهجر اضحت تعني من جانب آخر صناعة الآخر، عبر اعادة النظر سردياته الحقوقية والانسانية، خارج اللاوعي الايديولوجي الذي شوهه وجعله جزءا من رهانات الصراع السياسي، فكان اللجوء أو الهجرة إليه، محاولة في البحث عن الخلاص، أو عن شكل آخر للوجود، رغم أن الذاكرة تحفظ للآخر الكولينيالي صورا متخيلة مُضادة عن الاستعمار والعنف والتعالي، إذ دفع الاستبداد “الوطني” وصناعاته المرعبة الى اللجوء نحو الهجرة الى الآخر كنظيرٍ ايهامي ل”الهجرة الى الانسانية” كما سمّاها فتحي المسكيني، بوصف الآخر الثقافي هو غير الآخر السياسي والاستعماري والاستشراقي، وأن الرحيل الى أمكنة الآخر تحمل معها تخيّلا عن الأمكنة السحرية التي سبق وأن طرحتها كتابات رفاعة الطهطهاوي وطه حسين، لكن الطابع الجماعوي لهذه الهجرة جعلها تخضع الى توصيفات “المنظمات الدولية” لتبدو وكأنها نوعٌ من اللجوء الانساني الذي جرى برعايتها، لأن ما كرّسته السلطة من استبداد وعنف حوّل المكان الوطني الى جحيم، وأفقد قيم التعايش فاعلية التكافل والتنوع، وصولا الى فرض اشكال معقدة ل” ارهاب السلطة” الذي أفسد الامكنة وحوّلها الى دوستوبيا طاردة، فأضحت الهجرات المتتالية ردَّ فعلٍ طبيعي على ما تعرّضت له “الهويات” العراقية من تهديد وانتهاك وإحساس بالنفي والاقتلاع.
انشغلت سرديات المهاجر العراقية بتمثيل افكار التعويض والاشباع، عبر التماهي مع الاشباعات الرمزية والحقوقية والانسانية، مثلما ظل المهاجر الثقافي مهجوسا باللاوعي المجهض لفكرة الثورة والحلم بالتغيير، وبمحنة الذات المُطاردة، حيث جعل من سردياته أكثر انشغالا بفكرة استعادة الهوية الغائبة، فجسدت كتاباته مشاعر الضياع ومآزق التصادم الفكري والنفسي والثقافي، والبحث عن الجذور وتعرية صور العنف الذي عاشته الذاكرة العراقية، مثلما انشغلت كتابات كثيرة حول أزمة البطل السردي عبر استعادة الماضي التأسيسي في لحظته الرومانسية كما في روايات عبد الله صخي، أو أزمة الجسد والحرية كما في روايات عالية ممدوح، أو عبر ازمات الانتهاك والشعور بالاغتراب الروحي والجسدي كما في روايات لطفية الدليمي، أو أزمة الهوية المُطارَدة والمنفية والبحث عن الجذور كما في بعض روايات علي بدر وروايات خضير فليح الزيدي وروايات انعام كجه جي، أو أزمة الهوية المضطهدة والجسد المُنتهَك كما في روايات سنان انطون او في ازمة الفقد والعزلة والضياع كما في بعض روايات هدية حسين، أو ازمة المكان المتخيل والشخصية المستلبة كما في روايات محمد حيّاوي وجنان جاسم.

الآخر والسرديات الضد
يظل مفهوم الآخر في هذه السرديات ملتبسا، وغامضا، فيحضر بصفته أنموذجا للغائب، أو للكائن العالمي، أو انموذجا عدوانيا لكائن السلطة، أو كائن الهوية القاتلة، أو كائن الجماعة، دون استحضار الآخر بالمفهوم الانثربولوجي المختلف، أو كأنموذج “الاستعماري” بوصف هذه السرديات تنتمي الى ما يسمّى بـ “سرديات مابعد الكولنيالية” التي تعمل على اصطناع وجودٍ مضاد لصورة الذات، من خلال اعادة انتاج فكرة “التابع” أو جعل هذا “التابع” منخرطا في سياق صراعات داخلية، يبحث فيها عن هويته ووجوده وشخصيته وحكاياته، وبما يجعل الصراع بين الذات والآخر محكوما بالعوامل التي افرزتها مرحلة مابعد الكولنيالية، حيث التباسات وتشوهات مرحلة “التحرر الوطني” أو بناء الدولة” فرغم ما عاشه العراق بعد “الاحتلال الاميركي” عام 2003 من وإنهيار “الدولة المُستبدة” إلّا أن التمثلات السردية لم تجد في هذا “الآخر الاستعماري” إلّا جزءا من ذاكرة “المستعمر القديم” والتي تتطلب نوعا من النضال بالمعنى الايديولوجي، أو الجهاد بالمعنى الشرعي، حيث تفجرت مع ظروف الاحتلال كلِّ اسئلة “المقموع والمسكوت عنه” في التاريخ العراقي، بما فيها الانكشاف على محنة الهويات والجماعات والطوائف والقوميات التي اخضعتها “الدولة المُستّبدة” الى طغيان فرضية “الهوية الواحدة الصافية”
هذا المُعطى اثار جدلا واسعا بين مفهومي الاحتلال والاستبداد، اختلط فيهما الحساسيات اللاوعية لمفهوم المهجر، ولسردياته، مع ازمة المهجر العراقي، وأزمة المهاجرين وتمزقهم بين الحلم بالعودة، واستعادة الهوية الشائهة، وبين الواقع الجديد في “المهجر” والذوبان في عوالمه وسردياته وهوياته.
اعادة قراءة سرديات هذا المهجر، تتطلب نوعا من المغامرة الانثربولوجية، بوصفها قراءة فارقة، تتوخى مقاربة الهوية ومأزقها، مثلما تقارب التشظي الذي تعرضت له هذه الهوية، عبر انخراطها في اجتماع سياسي وثقافي وحقوقي، واشباعات كانت مفقودة، وهو ما جعل سرديات المهجر تحفر في الذاكرة، أكثر من الواقع، وهو ما نجده في عديد من الروايات، حيث التعاطي مع ثيمات تستغور محنة الذات المستلبة، والانخراط في عوالم من الاغتراب، تستند في رؤيتها الكلية الى فكرة تخريب الهوية الواحدة، وينطوي على قسوة عالية من التشريح المباشر لاوضاع المنفى”(6)
صور الهروب الى الآخر ما قبل 2003، أي منذ بدء ظاهرة المهجر العراقي ـ بدءا من الستينات والسبعينات وليس انتهاء خلال سنوات الحصار عام 1991 لا تعني تحققا وجوديا في “المكان الجديد” لأن هذا المكان اللجوئي، له مركزياته وانماطه، وهو ماجعل المهاجر يعيش كثيرا من هواجس اللانتماء، وعلل الذاكرة الرمادية، مثلما لم يستسغ أن يجد نفسه المرتابة” في مواجهة الآلهة الزائفة” في حداثات الغرب كما سمّاها ادورد سعيد، وهذا ماجعله يصف المهاجر بأنه سيظل غريبا “أنا الوافد الجديد والغريب”(7)
لتظل الغربة عنصرا طاغيا ومركزيا، ليس بفقدان الألفة في المكان، بل بعدم القدرة على تجاوز عقدة الاندماج مع الآخر بمفهومه الغربي الهوياتي، فبقدر ما يبدو المنفي “انسانيا” للمهاجر السياسي المطارد والهارب من حجيم “الدولة المستبدة” لكنه يظل- بالنسبة له” مكانا قلقا، استلابيا، مُحرضا على استيهامات استعادة لاوعي الهوية الغائبة، حيث الانخراط في تكوين الجماعات والملاذات الاجتماعية والطقوسية والثقافية والطائفية” حتى تبدو وكأنها “غيتوات” تقاوم مركزيات الآخر بحمولاتها الانثربولوجية والقيمية، فرغم شمول المهاجرين بقوانين اللجوء والحمايات القانونية والمعيشية والصحية، بما فيها “حق التجنيس” فأن ذلك لا يعني حيازة كاملة لشروط الاشباع الوجودي، والتماثل مع ذلك الآخر، وهو ما اكده ادورد سعيد بقوله “ إن المنفى هو حالة فعلية، لكنه أيضا بالنسبة لي حالة مجازية”(8).

  1. سعد محمد رحيم/ موقع الهوية/ دار ميزوبوتاميا للنشر والتوزيع/ بغداد 2018 ص 14
  2. ذات المصدر ص55
  3. ذات المصدر ص 81
  4. ذات المصدر ص105
  5. بيل اشكرفت/ الرد بالكتابة/ النظرية والتطبيق في المستعمرات القديمة/ ترجمة شهوت العالم/ المنظمة العربية للترجمة- مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 2006 ص 27
  6. عبد الله ابراهيم/ موسوعة السرد العربي/ الجزء 7/ قنديل للنشر للطبع والتوزيع/ الامارات العربية 2016 ص23
  7. ادورد سعيد/ تأملات حول المنفى/ ترجمة ثائر ديب/ دار الآداب بيروت 2007 ص18
  8. ادورد سعيد/ صور المثقف/ ترجمة غسان غصن/ دار النهار للنشر والتوزيع بيروت 1996 ص 63-64
Facebook
LinkedIn
X
Facebook

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى