من بقايا الحقبة الاستعمارية
ترجمة: الطريق الثقافي
تحتوي الكثير من المتاحف الأوروبية على آلاف الرفات البشرية في مستودعاتها، يعود أغلبها إلى الحقبة الاستعمارية، عندما كان البشر يجلبون من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ليعرضوا في صالات العرض، أو ليكونوا مادّة للتشريح والدراسات الإثنوغرافية.
لقد بدأ الإدراك مؤخرًا أنّ هذه الأشياء تستحق الاحترام، وأنّه يجب إعادتها إلى أوطانها الأم إن أمكن. لكن مثل هذا الأمر غالبا ما يكون معقدا.
تقول الفنانة والمخرجة والناشطة اليسارية مانوي سي توكاي، مخاطبة أحد النعوش الصغيرة “سنعيدك إلى المنزل يا صغيري باسم والدتك”. كلمات مداعبة موجهة إلى صغير لا يمكن رؤيته في صندوق صغير موشى بملصقات كُتب عليها عبارات من مثل: “’قابل للكسر”، و”تعامل معه بعناية”، و”افتح هنا”.
لقد جُلبت الرفات البشرية بانتظام من المستعمرات السابقة في القرون السابقة إلى الكثير من المتاحف، وانتهى بها الأمر في مجموعات التاريخ الإثنوغرافي والطبيعي، حيث استُخدمت العظام والجماجم للبحث، كما هو الحال في الأنثروبولوجيا الفيزيائية، على سبيل المثال لقياسات الجمجمة العلمية الزائفة – المثيرة للجدل الآن.
وحتى عقود قليلة مضت، كانت هذه الرفات تُعرض من دون أي تأنيب ضمير، وحتى بداية هذا القرن، انتقدت الكثير من الجمعيات الإنسانية والناشطين اليساريين، من امثال توكاي عرض تلك الرفات البشرية. ومع ذلك، لا يزال من الممكن رؤيتها في العرض الدائم لفروع بعض المتاحف، تحت عناوين مختلفة، مثل: “جمجمة مكسيكية مزينة بالفسيفساء الفيروزية” وغيرها من العبارات.
في متحف مدينة لايدن الهولندية، وتحت ضغوطات كبيرة، اضطرت إدارة المتحف إلى نقل معظم العظام والجماجم من قاعة العرض إلى المستودع. لكن المستودع أيضًا ليس المكان المناسب للرفات البشرية.
في بعض الأحيان تُقدم طلبات لإعادة الرفات في المجموعات الهولندية. وعادة ما تُمنح الموافقات على ذلك. على سبيل المثال، في العام 2005، قام متحف العالم Wereldmuseum الهولندي بإهداء رأس ماوري موشوم إلى متحف تي بابا تونغاريوا الوطني في العاصمة النيوزيلندية ويلينغتون. وبعد احتجاجات من الناشطين الإنسانيين واليسار، أُعيد رأس الماوري من مجموعة متحف فروليك UMC إلى مجتمع الماوري في العام 2019. بالإضافة إلى ذلك، نُقلت خمس جماجم وثلاثة هياكل عظمية إلى شعب الماوري، وهو شعب ينحدر من جزر تشاتام في نيوزيلندا. وفي العام 2022 قررت وزارة التعليم والثقافة والعلوم OCW إعادة الهياكل العظمية التي يبلغ عمرها خمسة آلاف عام، من متحف الطبيعة Naturalis، إلى ماليزيا بناءً على طلب الحكومة الماليزية.
لقد بدأت ما يسمى بـ “لجنة المجموعات الاستعمارية” مؤخرًا في لعب دور أساسي في إعادة القطع الاستعمارية إلى أوطانها الأصلية. وقد أُنشئت هذه اللجنة المستقلة في العام 2022 من قبل وزير الخارجية السابق غوناي أوسلو، للنظر في قضايا الاسترداد الاستعماري، لكن عملها لا يشمل إعادة الرفات البشرية، ويرجع ذلك، كما توضح منظمة أخلاقيات المتاحف الأوروبية OCW، إلى “القضايا الأوسع” المحيطة بالرفات البشرية و”الجوانب الأخلاقية المحددة”، التي تختلف عن التعامل مع التراث الاستعماري الآخر. وقال المتحدث إن الوزارة تتعاطف بشكل عام مع الطلبات المتعلقة بالرفات البشرية. “سيعطي الوزير هذا الأمر الأولوية القصوى وسيستخدم التعويض كنقطة انطلاق”.
بالتعاون مع المتحف الوطني”رايك ميوزيوم”، ومتحف “برونبيك”، ومعهد دراسات الحرب والمحرقة والإبادة الجماعية NIOD، والوكالة الوطنية للتراث الثقافي، يقوم متحف العالمWereldmuseum حاليًا بإجراء جرد لعدد وأنواع الرفات البشرية من الحقبة الاستعمارية الموجودة في المتاحف الهولندية. ويصف واين موديست، مدير المحتوى في المتحف، هذا البحث الذي تدعمه وزارة التعليم والثقافة والعلوم ووزارة الخارجية، بأنّه “خطوة مهمة نحو تشكيل سياسة وطنية”. ومن المتوقع أن يُنشر التقرير مع الرؤية المشتركة لهذه المتاحف ومعاهد المعرفة في نهاية هذا العام.
3647 قطعة
لقد قام “متحف العالم” بالفعل بإجراء جرد لما يمكن العثور عليه من بقايا بشرية في مستودعه. وتبين أنّ عددها يبلغ 3647، والرقم يشمل أيضًا أجزاء الهياكل العظمية وعينات الشعر، بينما تستمر عملية تحديد مكان الرفات البشرية.
تقول أمينة التاريخ الكاريبي والاستعماري في المتحف فيندلينا فلوريس “أنّ الأمر يتعلق بالتخصيص على أساس كل حالة على حدة. هدفنا هو إيجاد مكان مناسب لدفن رفات الأجداد”. وهي تفضل الحديث عن “رفات الأجداد” بدلاً من “الرفات البشرية”.
في نهاية تموز/ يونيو من العام الحالي، استقبل إدارة المتحف وفدًا من رابطة قادة القرى الأصلية في سورينام VIDS لإلقاء نظرة على محتويات الصندوق الذي تناولته مانوي سي توكاي في أدائها. عندما قالت: “لقد وعدتط، سنأخذك إلى المنزل”.
طفل حديث الولادة
يتعلق الأمر بعنصر في حالة مؤلمة، أنّه طفل حديث الولادة حُفظ في سائل قوي. يرتدي الطفل غطاء رأس ويحمل في يده ثعبانًا صغيرًا. ويوضح المتحف أن هناك الكثير مما لا نعرفه عن هذا الطفل: المكان الأصلي الدقيق، ولماذا تم أخذ الطفل، ومن أين جاء الزي ومتى تمت إضافته. وبحسب المتحف، فإنه من غير المعروف أيضًا ما إذا كانت فتاة أم فتى.
ويعتقد أن الطفل من سورينام، إذ تُظهر الأبحاث الأرشيفية أنّه في العام 1867 تبرع القبطان جي. أم. براك، وهو يقود سفينة أبحرت من سورينام، بطفل محفوظ في سائل، إلى حديقة حيوان أرتس في أمستردام، قبل أن تُنقل في وقت لاحق، مجموعة حديقة حويان أرتس الإثنوغرافية إلى المتحف الاستعماري (حاليًا يسمى متحف العالم Wereldmuseum).
في المعهد الاستعماري، وُصف الطفل بأنّه “طفل هندي حديث الولادة، ويبدو أنّه يرتدي ملابس مناسبة للدفن”. ومع ذلك، هناك شك في أن الزي التقليدي (كما يطلق عليه في أرشيفات المجموعة)، أُضيف لاحقًا فقط. ولم يُعرض الطفل للجمهور منذ التسعينيات. لكنّه عُرض للجمهور لاحقًا في نعش مغلق، ضمن عرض تقديمي بشأن القضايا الأخلاقية في العام 2012.
ويعمل المتحف على إعادة هذا الطفل منذ تشرين الأوّل/ أكتوبر 2022. وهذا بسبب إلحاح توكاي والضجة التي أحدثتها. تقول بحزن “إنها طفلة جميلة جدًا. إنّه أمر مؤلم للغاية أن ترى الطفل يرتدي ملابسه وقد تحول إلى اللون الرمادي بالكامل بعد كل تلك السنوات في السائل القوي”.
ومنذ ذلك الحين قامت بحملة من أجل عودة الطفل إلى المنزل. لا تعتقد توكاي أن الوالدين تخليا طوعًا عن المولود الجديد. سواء ولد الطفل ميتًا أم حيًا، لا فرق بالنسبة لها: “من الممكن أيضًا أن تكون الأم قد ماتت بالفعل”. وتأمل أن توفر عودة الطفل المحتملة السلام للأقارب والأجداد. تُضيف توكاي: “عندما أتحدث عن الأسلاف، أعني الأسلاف الذين عانوا من العنف والأسلاف الذين ارتكبوا ذلك العنف للأسف”.
“فليرقد أسلافنا بسلام”، كانت هذه هي الرسالة الموجودة على اللافتة الكبيرة علقتها في ردهة “متحف العالم” أثناء أدائها المؤثر.
وعدت توكاي الطفل بأنّها ستقدم أوائل العام المقبل، عرضًا تركيبيًا في متحف العالم، يلفت الانتباه إلى بقايا الأجداد.
تنتمي معظم المتاحف في أوروبا إلى المجلس الدولي للمتاحف ICOM وتتبع قواعده الأخلاقية. وينص القانون، على سبيل المثال، على أنّ طلبات إعادة الرفات البشرية يجب أن تُعامل بسرعة وباحترام.